فصل: مسألة أوصى لرجل بشيء بعينه ثم أوصى بذلك الشيء لغيره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أقر في مرضه أنه قد كان أوصى بعتق عبده:

قلت لسحنون: أرأيت إن أقر في مرضه أنه قد كان أوصى بعتق عبده أو تدبيره، أو بمال لرجل؟ فقال: كل ما كان في الثلث فهو جائز.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، كأنما أقر أنه قد أوصى به، فلا اختلاف في ذلك ولا إشكال، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بثلث ماله وقال على ألا ينقص ابني فلان من نصف مالي:

وسئل عن رجل هلك وترك ابنين، وأوصى لرجل بثلث ماله، وقال: على ألا ينقص ابني فلان من نصف مالي، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك، قال سحنون: إن أبوا الإجازة فللموصى له بالثلث ثلثا الثلث، ويبقى المال بين الأخوين. وقد قيل أيضا غير هذا، وهذا أحسن وأشبه إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: وجه هذا القول أن الثلث الموصى به حقه أن يؤخذ من حظ الابنين نصفه من حظ كل واحد منهما، فلما أوصى ألا ينقص أحد ابنيه من حظه شيئا، كان الموصى له بنصف الثلث، فوجب أن يتحاص هو والموصى له بالثلث بجميع الثلث، والابن الذي أوصى ألا ينقص من حظه شيء بنصف الثلث، فيصير للموصى له بجميع الثلث ثلثا الثلث، ويقسم الابنان بقية المال بينهما بنصفين؛ إذ لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يجيزها الورثة.
وأما القول الثاني الذي ذكر أنه قيل في المسألة، فلا أعرفه نصا لأحد من أصحابنا، والذي يشبه أن يقال أن يكون للموصى له بالثلث نصف الثلث، وهو سدس جميع المال، ويكون خمسة أسداسه بين الابنين بنصفين؛ لأن الموصي لما أوصى بثلثه، وألا ينقص أحد ابنيه من نصف المال شيئا، فقد أوصى أن يؤخذ جميع الثلث من حظ الابن الآخر، ذلك ما لا يجوز له؛ إذ لا يجب أن يؤخذ من حظه منه إلا نصفه، فتبطل الوصية بنصف الثلث؛ إذ أوصى أن يؤخذ من حظ أحد ابنيه زائد على ما يجب أن يؤخذ من حظه منه، وينفذ بالنصف الثاني ويكون خمسة أسداس المال بين الابنين. وهذا أظهر من القول الذي ذكره، وقال فيه: إنه أحسن، والله أعلم.

.مسألة هلك وترك ولدين فأوصى لأحد ولديه ولرجل أجنبي بجميع ماله:

وقال في رجل هلك وترك ولدين، فأوصى لأحد ولديه، ولرجل أجنبي بجميع ماله، فأجاز الوصية للأجنبي، وأجاز الذي لم يوص له بشيء للذي أوصى له بالنصف، فإن مقامها من اثني عشر، فيعطى الأجنبي قبل كل شيء الثلث من اثني عشر، وذلك أربعة، ويصير للأخوين أربعة فيعطيان الأجنبي سهمين، يعطيه كل واحد منهما من حظه سهم، حتى يكمل له النصف، كما أجازا له النصف، ثم يرجع الذي أوصى له بالنصف إلى أخيه بتمام النصف، فيعطيه من سهمه سهمين، ويبقى له سهم، فيصير للأجنبي ستة أسهم، وللذي أوصى له بالنصف خمسة، ويخير سهم واحد، فيعطاه الأجنبي فيه، فيصير له ستة، ويبقى للآخر سهم فافهم، فإنها جيدة وقس عليها ما يناظرها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، وللصحيح فيها في وجه النظر أن يعطى الأخ الذي أجاز لأخيه الوصية، جميع الثلاثة الأسهم الذي بيده، فيصير المال جميعه للموصى لهما به، وهو الأجنبي وأحد الابنين؛ لأن الوصية بجميع المال قد أجازها الابنان جميعا حين أجازا للأجنبي جميعا، وأجاز الذي لم يوص له للذي أوصى له؛ لأن الذي أوصى له لا شك في إجازته لنفسه، فقد اجتمع الابنان جميعا على إجازة الوصية، وهما إذا أجازاها وجب أن يكون جميع المال بين الموصى لهما بنصفين، وهذا بين والله أعلم.

.مسألة مرض فباع في مرضه دارا ثمنها ثلاثمائة دينار بمائتي دينار:

قال سحنون. لو أن رجلا مرض فباع في مرضه دارا ثمنها ثلاثمائة دينار بمائتي دينار، وحابى بالمائة، ولا مال له غيرها، ثم أخذ المائتين، فاستنفقها، ثم مات، فإنه يقال للورثة: إن صاحبكم قد حابى بالمائة، ولا يحمل ذلك ثلثه، من أجل أنه استنفق المائتين، فإما أن يمضوا بيعه، وإما أن يتخلعوا من ثلثه للمشتري، فإذا أجازوا مضى البيع، وإن أبوا أن يجيزوا، بيع من الدار بقدر المائتين التي استنفقها، ثم يكون للمشتري ثلث ما بقي من الدار بعد الذي بيع منها.
قال محمد بن رشد: قد مضى قول سحنون هذا متكررا في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس، ومضى القول عليه هناك مستوفى، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بعبد بعينه فلم يحمله الثلث:

وسئل عن رجل أوصى لرجل بعبد بعينه، فلم يحمله الثلث، فقيل للورثة بعد موت الموصي: يجيزون فأبوا. فقيل لهم: اخلعوا. فقالوا: نعم، فمات العبد. قال: أما ابن القاسم فيقول: المصيبة من الموصى له يقول: إذا خلعوا الثلث، فإنما يخلعونه في العبد، وأما أنا ومن رأى أن يخلعوا له الثلث في جميع مال الميت فيقول: للموصى له ثلث ما بقي.
قال محمد بن رشد: هذا يجري على اختلاف قول مالك في الذي يوصي له بشيء لا يحمله الثلث، فيقطع له الورثة بالثلث، هل يجعل له الثلث في الشيء الذي أوصى له به، أو يكون شائعا في جميع مال الميت؟ فعلى القول بأنه يجعل له الثلث في الشيء الذي أوصى له به، لا يكون للموصى له بالعبد شيء إذا مات، كان موته قبل أن يقطعوا له بالثلث أو بعد أن قطعوا له بالثلث، وعلى القول بأنه يكون له الثلث شائعا في جميع مال الميت، يكون له ثلث ما بقي بعد العبد إن مات بعد أن قطعوا له بالثلث، وأما إن مات بعد أن قال الورثة: لا نجيز، ونحن نقطع له بالثلث، ولم ينفذوا له ذلك بحكم، أو بقول بات مثل أن يقولوا: لا نجيز، وقد قطعنا له بالثلث، فالمصيبة منه على ما في سماع أبي زيد، وجعل في هذه الرواية قولهم: نعم، جوابا لقوله: اخلعوا قطعا بالثلث خلاف ظاهر ما في سماع أبي زيد، وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي بالجارية لرجل ثم يثب عليها فيطؤها:

وقال في الرجل، يوصي بالجارية لرجل ثم يثب عليها فيطؤها، ولا يغير وصيته: إن ذلك ليس مما ينقض وصيته به، ولا يمنع الموصى له من قبضها حتى يغيرها، وينقضها بغير الوطء.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أبي زيد، وهو مما لا اختلاف فيه أعرفه، وإنما يكون الرجوع بالتفويت، وأما بالوطء والاستخدام فلا، وبالله التوفيق.

.مسألة حضرته الوفاة فقال ثلث مالي لفلان وفلان وفلان إن قبل فلم يقبل:

وسئل سحنون عن رجل حضرته الوفاة فقال: ثلث مالي لفلان وفلان وفلان، إن قبل ذلك، فلم يقبل هذا الذي قيل فيه إن قبل، هل ترى الثلث لهذين إذ لم يقبل الثالث؟ أم ترى ثلث الثلث يرجع إلى ورثة الميت؟ وكيف إن كان الذي قال فيه: إن قبل غائبا ما يصنع بمصابة الغائب؟ هل يوقف حتى يستنجز ذلك منه أم لا؟ وكيف إن قال: لفلان عشرة، ولفلان عشرة إن قبل فلان، والثلث عشرون؟ فسئل الذي قيل فيه: إن قبل فأبى أن يقبل هل ترى العشرين كلها لهذين؟ أم يرجع مصابة هذا الذي أبى إلى الورثة؟ وهل بين المسألتين اختلاف؟ قال سحنون: ليس بينهما فرق، كل من أوصى بوصايا استوعب فيها ثلثه وزاد، وكان من بعض وصاياه في شك أن تقبل أو لا يقبل، فإن قبلت كانت حيث جعلها، وإن لم يقبل ورجعت كانت لمن بقي من أهل الوصايا، ولم ترجع إلى الورثة، وإنما ترجع إلى الورثة، فيحاصون به أهل الوصايا لو أوصى، وزاد في وصاياه على ثلثه، وكان عنده نافخا، ومات على أن عنده جائز، فتلك التي إن رجعت ولم تنفذ، كانت لورثته، يحاصون به أهل الوصايا، ومسألتك إن قبل وصيته جازت، وإن لم يقبل رجعت وصيته إلى أهل الوصايا، ولم يدخل عليهم الورثة في شيء.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها إن شاء الله.

.مسألة أوصى أن تباع جاريته ممن يتخذها أم ولد:

وسئل سحنون عن رجل أوصى أن تباع جاريته ممن يتخذها أم ولد، قال: أرى هذا بيعا لا يجوز، وهي وصية مردودة.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن البيع على هذا لا يجوز، ولا تجوز الوصية لما لا يجوز، فإن وقع ذلك فسخ البيع إن عثر عليه قبل أن يفوت. وقد قيل: إن البيع على هذا مكروه، لا يفسخ إذا وقع ورضي البائع بترك الشرط، فعلى هذا القول يكره تنفيذ الوصية، ويؤمر الوصي أن لا ينفذها، فإن نفذها لم يرد البيع إذا رضي البائع بترك الشرط، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لفقراء بني عمه وفقراء أقاربه وأشهد على ذلك أغنياء بني عمه:

من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم في رجل أوصى لفقراء بني عمه، وفقراء أقاربه بحائط يغتلونه، ولم يشهد على تلك الوصية إلا أغنياء بني عمه، قال: لا تجوز شهادتهم، خوفا من أن يحتاجوا إلى ذلك يوما ما، إلا أن يكون شيء تافه لا خطب له، ولا يتهمون في مثله لغناهم، ولعلهم لا يدركون ذلك، فإذا كان الأمر خفيفا لا يتهمون فيه بجر إلى أنفسهم، رأيت الأمر جائزا لهم، وذلك أني سمعت مالكا، وسئل عن ابني عم شهدا لابن عم لهما على أموالي فقال مالك: إن كانا قريبي القرابة يتهمان في جر الولاء لهما، فلا يجوز وإن كانا من الفخذين الأباعد، ولا يتهمان على جر ذلك، رأيت شهادتهم جائزة، فكذلك مسألتك.
قيل لابن القاسم: فإن استغنى بعض فقراء بني عمه، وافتقر بعض أغنيائهم، هل يخرج الغني، ويدخل الفقير؟ قال: نعم، وإنما يقسم على كل من كان فقيرا يوم يكون القسم، ولو قسم على قوم عاما، وبعض بني عمه أغنياء، ثم جاء القسم من قابل، وقد افتقرا الأغنياء، واستغنى الفقراء الذين قسم عليهم تحول القسم إلى الأغنياء الذين لم يكن عليهم قسم، وأخرج منه الفقراء الذين قسم عليهم، فهذا قول مالك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، لا إشكال فيها، يفتقر إلى بيان وشرح، والله الموفق.

.مسألة يوصي أن يباع غلامه رقبة:

قال ابن القاسم في الذي يوصي أن يباع غلامه رقبة، فبيع رقبة، ووضع عن المشتري ثلث الثمن فأعتقه، ثم جاء درك على الهالك من دين ثبت عليه. قال: أرى أن يباع من العبد قدر ثلث الدين إن كان العبد ثلث المال، ويؤخذ من الورثة ثلثا الدين، وإن كان العبد ربع الدين، أخذ من الورثة ثلاثة أرباع الدين، وإن كان العبد خمس المال، بيع من العبد خمس الدين، وأخذ من الورثة أربعة أخماس الدين، فعلى هذا يحسب؛ قال أصبغ بن الفرج: لأنها إنما هي وصية للعبد بتلك الوضيعة التي كانت وضعت من ثمنه؛ لأن مشتريه لو لم يأخذه بوضيعة الثلث، ولم يوجد أحد يأخذه إلا بأقل من ذلك، كان الورثة مخيرين إما أجازوا وإما أعتقوا من العبد ما حمل الثلث بتلا. فالوضيعة هاهنا إنما هي للعبد، فلذلك لم يكن على مشتريه غرم شيء من الثلث الذي وضع له من ثمنه، كأنه إنما باع ثلثي العبد قبل موته، وأخذ ثمنه، فكان مالا من ماله ورثه فيما ورث، وأوصى بعتق الثلث الذي بقي له فيه، فذلك الثلث، إنما يقول في ثلثه، ويعرف ما هو من جميع ماله، فإن كان خمسا أو سدسا أو ربعا أو ثلثا عتق، فإنما يقع عليه من الدين بقدر ما كانت وصيته من مال الميت، كانت سدسا أو ربعا أو خمسا، وإن كان سدس ذلك الدين أو ربعه أو خمسه، يكون أكثر من سدس رقبته، أو ربعها، أو خمسها، بيع منه ما بينه وبين ثلث رقبته؛ لأنها وصيته التي أوصى له بها، والذي يملك؛ لأنه قد أخذ للثلثين الباقيين ثمنا صارما لا مع ميراثه للورثة، فالثلثان غير الميت أعتقهما، ومن غير ماله عتقا، ويكون ما عجز عن ثلث رقبته من ذلك الجزء الذي وقع عليه من الدين في مال الميت، يرجع به على الورثة أيضا في مال الميت، حتى يحيط ذلك بجميع ما أخذوا فيما أخذوا؛ لأن ما وقع على العبد من الدين قد أحاط بجميع ما أوصى له به وزاد، فالزيادة ليست عليه، وأما العبد فإنما عليه أن يؤخذ منه وصيته التي أوصى له بها فقط؛ لأنه لا وصية إلا بعد الدين، وقاله أصبغ كله حسن، وهو بمنزلة ما لو أعتق العبد كله، وهو يخرج وصيته من ثلثه، ثم طرأ دين وقع عليه الدين بالحصص، فيرد عليه منه بقدر ما أصابه حتى يحيط بذلك كله أو لا يحيط، ولم يكن على الورثة غرم ذلك فيما أخذوا من مال عنه، فالمشتري بمنزلة الورثة، غير أن الوصية للعبد في ذاته ونفسه فهو المأخوذ والمردود حتى تفضل فضلة، فيكون كأنه لم يترك غيرها، ولا دين عليه، أو كأنه ترك دينا ومالا فوفى الدين وفضلت تلك الفضلة، فأنفذ للعبد في ثلثها ما حمله، فعلى هذا يعمل ويحمل في فض الدين عليه، وعلى ما ترك الميت وأخذ الورثة، يقع على ذلك بقدر ما وقع قال أصبغ: قال ابن القاسم: وقد ذكر عن مالك في هذه المسألة أنه يغرم المشتري ثلث ثمن العبد، وهو يضعف ذلك، ويراه وَهْمًا وخطأ، ولا يراه شيئا فيما رأيته وهو كذلك، والقول فيها القول الأول. يقول ذلك أصبغ.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية: إنه يباع من العبد الذي بيع على العتق في الوصية، فأعتقه المشتري بقدر ما يقع عليه من الدين الطارئ على تركة الموصي، ولا يرجع بشيء من ذلك على المشتري فيما وضع عنه من ثمنه، هو على قياس القول بأنها وصية للعبد، فإن لم يوجد من يشتريه للعتق إلا بوضيعة أكثر من الثلث قيل للورثة: إما بعتموه بما وجدتم، وإما أعتقتم ثلثه.
وأما على قياس القول بأنها إنما هي وصية للمشتري، فإن لم يجد الورثة من يشتريه للعتق إلا بوضيعة أكثر من ثلث ثمنه، لم يلزمهم بيعه، ولا تنفذ الوصية له، وهو قول مالك في رسم الوصايا من سماع أشهب، فلا يباع من العبد شيء في الدين الطارئ، وإنما يكون الدرك في ذلك على المشتري، فيرجع عليه بثلث ثمن العبد الذي وضع له، ويمضي عتق العبد. وهو قول مالك في رواية ابن كنانة عنه على قياس رواية أشهب المذكورة، وقول مالك الذي ذكره عنه ابن القاسم في آخر المسألة أيضا، وقد مضى الكلام عليها في موضعها، إلا أن قول ابن القاسم في هذه الرواية على قياس القول بأنها وصية للعبد؛ أنه يباع من العبد قدر ثلث الدين إن كان العبد ثلث المال، وقدر ربع الدين إن كان العبد ربع المال، يريد ما لم يتجاوز ذلك ثلث رقبة للعبد على ما فسره أصبغ نظرا، والقياس ألا يباع منه في الدين الطارئ إلا قدر ما يقع من الدين على ثلث العبد؛ لأنه هو الذي أعتق من مال الميت، وأما الثلثان منه فإنما أعتقهما المشتري، وقد قال ذلك أصبغ فيما اعتمده من تفسير قول ابن القاسم، وهو قوله: والثلثان غير الميت أعتقهما، ومن غير ماله عتقا، ووجه العمل في ذلك أن ينظر ما يقع ثلث العبد من جميع مال الميت لا جميع العبد كما قاله ابن القاسم وأصبغ، فإن كان ثلث العبد من جميع مال الميت العشر أو التسع أو الثمن بيعت رقبة العبد بعشر الدين أو بتسعه أو بثمنه، وإن أتى البيع على جميعه.
وأما قول أصبغ في تفسير قول ابن القاسم: إنه إن كان العبد ربع جميع مال الميت أو خمسه؛ بيع من رقبة العبد بربع الدين أو بخمسه ما بينه وبين ثلث رقبة العبد، فلا يستقيم، فانظر ذلك نظرا صحيحا، وتدبره بين ذلك صحة قولي في اعتراضي لقول ابن القاسم، وأصبغ لم يوجب على الوصي في ظاهر هذه الرواية ضمانا، وهو ظاهر ما في رسم الأقضية، من سماع يحيى، خلاف ما مضى في رسم الأقضية، من سماع أشهب، وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بعبد أو دابة غائبة عن الموضع:

وقال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم: كل من أوصى لرجل بعبد أو دابة غائبة عن الموضع، فعلى الذي أوصى له أن يأتي به يكون الجعل عليه، وليس على الورثة من ذلك شيء، وإن كان عبد بموضع له بذلك الموضع رفعة في عمله، مثل العبد الزارع الحارث العامل في النخل، الذي إنما رفعته في عمله بموضعه، وإن جلب إلى الفسطاط وما أشبهها من المدائن، لم يكن له ارتفاع في القيمة لدناءة منظره، فإنه يقوم بذلك الموضع ولا يجلب، وكذلك العبد التاجر الأمين الذي قد عرف ببصر التجارة والأمانة، ولعله لا يكون له كبير منظر، فإنه يقوم على خبره وبصره وأمانته، ولا يحل لأهله كتمان ذلك منه، وفي سماع أشهب من كتاب الوصايا، عن ابن القاسم مثله.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم الأقضية الثاني، ورسم الوصايا من سماع أشهب مستوفى، فاكتفينا بذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى أن يشترى عبد من ثلثه فيعتق:

قال موسى: قال ابن القاسم في رجل أوصى أن يشترى عبد من ثلثه فيعتق، وما بقي من ثلثه، فاشتروا به رقابا فأعتقوها، وأوصى بوصايا. قال: ينظر إلى الوصايا، وإلى الرقبة الأولى، فإن قصر الثلث عنهم تحاصوا في الثلث، فإن كان في الثلث فضل جعل في الرقاب التي أوصى بها، وذلك أن كل من أوصى بشيء بعينه لأحد، أو أمر به فسماه، وقال: ما بقي من ثلثي فاجعلوه في كذا وكذا، أو أوصى بوصايا سماها قبل ما أوصى به أو بعده، إلا أنه قال: ما بقي من ثلثي ففي كذا وكذا بعد التسمية، فإن التسمية والوصايا تبدأ قبل الذي جعل فيه ما بقي من ثلثه، وإن كانت الوصايا بعدما أوصى أو قبله، فهو سواء، وهذا قول مالك، فمسألتك الأولى على هذا.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه ينظر إلى الوصايا وإلى الرقبة الأولى، فإن قصر الثلث عنهم، تحاصوا فيه، هو مثل ما في المدونة من أن الرقبة بغير عينها لا تبدأ على الوصايا، وقد اختلف في ذلك وفي الوصية بالحج، فقيل: إنها كلها سواء في التحاص، وقيل: تبدأ الرقبة على الحج، ويتحاص المال مع الحج ومع الرقبة، والوجه في ذلك أن الرقبة آكد، ثم المال، ثم الحج، فتتحاص الرقبة مع المال، لقرب ما بينهما، والمال مع الحج أيضا لقرب ما بينهما، وتبدأ الرقبة على الحج، لبعد ما بينهما.
وقيل: تبدأ الرقبة على المال والحج، وقيل: يبدأ الحج، على الرقبة والمال. وأما قوله: إذا أوصى بوصايا، وقال ما بقي من ثلثي، فاجعلوه في كذا وكذا، ثم أوصى بعد ذلك بوصايا، فإن الوصايا تبدأ قبل الذي جعل فيه ما بقي من ثلثه، وإن كانت الوصايا بعدما أوصى أو قبله، فهو سواء، فهو مثل ما تقدم في رسم الصلاة، من سماع يحيى، وفي رسم أسلم، من سماع عيسى، وذلك على ما بينه محمد بن المواز، حسبما بيناه واستوفينا القول فيه في رسم أسلم، من سماع عيسى المذكور، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال بيعوا عبدي بعشرين:

من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد: سئل ابن القاسم عن رجل أوصى فقال: بيعوا عبدي بعشرين، وأعطوا فلانا منها خمسة عشر دينارا، فلم يبع العبد إلا بأقل من عشرين دينارا، قال ابن القاسم: يعطى الموصى له بالخمسة عشر ثلاثة أرباع ما بيع به العبد، إذا كان قد نقص ثمنه من عشرين دينارا. وقد قال في غير هذا الكتاب من سماع عيسى: إنما له ما زاد على خمسة دنانير، وإن نقص من خمسة فلا شيء له، وأشهب يقول: له مما بيع بخمسة عشر على كل حال، وإن بيع بأقل من خمسة عشر دينارا، فجميع ذلك له.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى، في رسم جاع، فباع امرأته، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، والله أعلم.

.مسألة توصي لزوجها فلما علم الزوج أن الوصية لا تثبت له طلقها البتة:

قال: وسألت ابن القاسم عن امرأة توصي لزوجها بوصية، فلما علم الزوج أن الوصية لا تثبت له، طلقها البتة، فقال ابن القاسم: إن كانت علمت بطلاقه، فلم تغير وصيتها، فهي له ثابتة، وإن كانت لم تعلم، فلا وصية له.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة مستوفى في سماع سحنون، فلا معنى لإعادته.

.مسألة ما يضمن فيه الوصي:

قال: وسألت ابن القاسم عن رجل كتب وصيته، ثم خرج مسافرا، فحضرته الوفاة في سفره، فكتب وصية أخرى، وكنى عن التي ترك لم يذكرها بشيء، وأوصى في سفره إلى رجل، فذهب الوصي فنفذ وصيته في سفره ذلك من ماله الذي ترك، فقال ابن القاسم: أراه متعديا، وأرى ضامنا لما أعطاه.
قال محمد بن خالد: وقال ابن نافع مثله.
قال محمد بن رشد: إيجاب الضمان على الوصي في هذه المسألة بين؛ إذ قد تبين عداؤه بتعجيل تنفيذ وصيته في سفره من المال الذي تركه فيه، دون أن يتثبت ويتربص حتى يرجع إلى بلده، فينظر هل له وصية أخرى؟ وإنما يضمن إن كانت الوصية التي كتبها في بلده عند سفره أولى من هذه وأحق بالتبدئة، ولا يحملها ثلثه جميعا.
وقد مضى في رسم الأقضية، من سماع أشهب تحصيل القول فيما يضمن فيه الوصي مما لا يضمن، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال ما بقي من ثلثي فهو لفلان:

قلت لأشهب: فرجل أوصى فقال: ما بقي من ثلثي فهو لفلان، ولم يوص بأكثر من ذلك حتى مات، فقال: يعطى الذي أوصى له ببقية الثلث ثلث الميت.
قال محمد بن رشد: وقع في بعض الروايات: يعطى الذي أوصى له بقية الثلث ثلث الثلث، وهو غلط وتصحيف، والله أعلم. وقد حمل ذلك ابن حارث على أنه اختلاف من قول أشهب، مرة قال: له جميع الثلث، ومرة قال: له ثلث الثلث. والمسألة متكررة من قول مالك في مواضع من سماع عيسى، وقد مضى الكلام عليها في رسم أوصى منه، وبالله التوفيق.

.مسألة إقرار المريض في مرضه بدين لوارث:

من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم وابن وهب وأشهب قال عبد الملك بن الحسن، سئل ابن القاسم عن رجل حضر خروجه إلى حج أو غزو أو سفر من الأسفار، فيكتب وصيته، ويشهد عليها، ويشهد لامرأته، أو لبعض ولده أن لهم عليه من الدين كذا وكذا. ويضع ذلك في وصيته، أو لا يضع ذلك في الوصية، غير أنه يشهد أن عليه من الدين لورثته كذا وكذا، ويتصدق حينئذ بصدقة بَاتَّةٍ على ابن له صغير لم يبلغ الحوز، فيموت في سفره ذلك، هل يجوز للوارث ما أقر له به، وما تصدق على الصغير؟ قال ابن القاسم: ما صنع من ذلك فهو جائز، إذا أشهد عليه، وهو صحيح، ولا يشبه هذا المرض؛ لأنه صحيح، وهو أحق بماله من ورثته، ولا يتهم على شيء من ماله إذا أشهد عليه، وليس في السفر تهمة.
قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم، خلاف قوله وروايته عن مالك في رسم نذر سنة، من سماع ابن القاسم؛ لأنهما حكما فيه للخارج إلى سفر بحكم المريض، لا يجوز له أن يفعل ما يفعل الصحيح، فعلى قولهما لا يجوز إقراره بالدين لبعض ورثته عند الخروج إلى غزو أو سفر إن مات في غزوه أو في سفره، كما لا يجوز إقرار المريض في مرضه بدين لوارث إن مات من مرضه ذلك، وقد مضى هناك من القول على ذلك ما فيه زيادة بيان، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون عنده اللقيط فيتصدق هو نفسه عليه بصدقة:

وسألت ابن وهب عن الرجل يكون عنده اللقيط، فيتصدق هو نفسه عليه بصدقة، أيحوز له كما يحوز لابنه الصغير؟ فقال لي: نعم يحوز له كما يحوز لابنه الصغير، وكذلك كل من ولي يتيما، أجنبيا كان أو قريبا، وهو قول المدنيين كلهم إلا ابن القاسم، فإنه لم يكن يرى ذلك إلا للوصي، قال سحنون مثل قول ابن وهب، قال سحنون: وروى ابن غانم عن مالك أن كل من ولي يتيما أجنبيا كان أو قريبا من غير خلافة ولا وصية إلا لقرابة أو لحسنة، فهو تجوز مقاسمته وحيازته صدقته التي تصدق بها عليه هذا وغيره. قال سحنون: وهي عندي رواية ضعيفة. قال سحنون: وفي رواية ابن القاسم عن مالك، وكذلك كل من ولي يتيما أجنبيا كان أو قريبا.
قال محمد بن رشد: رواية ابن القاسم هذه التي حكاها سحنون، ليست في كل الروايات، ويمكن أن تتأول على المعلوم من مذهبه، بأن يقال: معنى ذلك، بخلافة من أب أو سلطان. وقول ابن وهب في هذه الرواية: إن الرجل يحوز للقيط يكون في حجره ما يتصدق به عليه، هو مثل رواية ابن غانم عن مالك، ونحو ما في المدونة من الرجل تجوز مقاسمته على من التقطه، خلاف قوله في رسم الأقضية، من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات؛ لأنه لا تجوز الحيازة في ذلك إلا للأب والأم، والأجداد والجدات، ولا يجوز ذلك لسائر القرابات. فقول ابن القاسم: إن الحيازة في ذلك لا تجوز إلا للأب والوصي، قول ثالث في المسألة.
وقد مضى الكلام على هذا في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من كتاب الحبس، وفي رسم الأقضية، من سماع يحيى، من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بشيء بعينه ثم أوصى بذلك الشيء لغيره:

وسألت أشهب عمن عوتب في القرابة فقيل له: ألا تصلهم؟
ألا ترفق بهم؟ قال: فأشهدكم أني إذا مت فثلثي لها، ثم إنه مرض، فأوصى بثلثه، فقال: لا أرى لأقاربه شيئا.
قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، فيمن أوصى لرجل بشيء بعينه، ثم أوصى بذلك الشيء لغيره، وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، فيمن أوصى لرجل بشيء بعينه، ثم أوصى بذلك الشيء لغيره؛ أنهما يشتركان فيه، ولا تكون وصيته الثانية نقضا لوصيته الأولى، وكذلك على مذهبه إذا أوصى لرجل بثلثه، ثم أوصى به لغيره، يشتركان فيه، ولا تكون وصيته الآخرة نقضا لوصيته الأولى، وذلك على ما قال مالك: إذا أوصى لرجل بثلث ماله، ثم أوصى الآخر بجميع ماله؛ أنهما يشتركان في الثلث على أربعة أجزاء، ولا تكون وصيته للآخر بجميع ماله نقضا لوصيته الأولى بثلث ماله.
وقد روى علي بن زياد عن مالك في الرجل يوصي بعبده لرجل، ثم يوصي به لآخر؛ أنه يكون للآخر، فعلى هذه الرواية يأتي قول أشهب، ولا فرق على مذهب ابن القاسم بين أن يوصي بثلثه لرجل، ثم يوصي به لآخر، وبين أن يوصي بعبده لرجل، ثم يوصي به لآخر، إلا في التحاص إذا كان ثم وصايا سوى ذلك، فإن الذي أوصى لهما بالعبد يضربان جميعا به، واللذين أوصى لكل واحد منهما بالثلث يضرب كل واحد منهما بما أوصى له به من الثلث كاملا، وبالله التوفيق.